فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيمِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، الْخَمْرَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ تَخْلِيلِهِ إيَّاهَا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُطْلِقْهُ لَهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالاَ‏:‏ ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا أَسَرُوا الآُسَارَى يَعْنِي فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرُ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الآُسَارَى‏؟‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَهْدِيَهُمْ إلَى الإِسْلاَمِ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ نَسِيبٍ لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا وَقَادَتُهَا فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْت فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ الْفِدَاءِ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ، صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ‏.‏

فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ لَيْسَ فِيمَا رَوَيْتُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا شَيْئًا‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ مَشُورَةُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ لاَ غَيْرُ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَانُوا أَخَذُوا شَيْئًا مِنْ الْغَنَائِمِ قَبْلَ إنْزَالِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، هَذِهِ الآيَةَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَعَجَّلَ النَّاسُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ كَانَ النَّبِيُّ يَعْنِي مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إذَا غَنِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمَعُوا غَنَائِمَهُمْ فَتَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا}‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ لَمْ تَحِلَّ الْغَنِيمَةُ لأَحَدٍ أَسْوَدِ الرَّأْسِ قَبْلَنَا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ تَنْزِلُ النَّارُ فَتَأْكُلُهَا فَنَزَلَتْ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ قَالَ‏:‏ سَبَقَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ‏.‏

فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي كَانَ مِنْ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ لأَخْذِهِمْ مَا أَخَذُوا مِنْ الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ لاَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا عِنْدَنَا أَشْبَهُ بِالآيَةِ‏;‏ لأَنَّ الَّذِي فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فَأَثْبَتَ أَخْذًا مُتَقَدِّمًا فَعَلَيْهِ كَانَ الْوَعِيدُ لاَ عَلَى مَا سِوَاهُ مِمَّا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَيْنَا‏,‏ وَفِي هَذَا مَعْنًى يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ‏,‏ وَالْعَمَلُ بِهِ‏,‏ وَالْحَذَرُ مِنْ اللهِ فِي التَّقَدُّمِ لأَمْرِهِ‏;‏ لأَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَوْ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ‏:‏ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا يُدْرِيك أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ‏,‏ فَإِذَا جَازَ مَعَ هَذِهِ الرُّتْبَةِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ الْوَعِيدُ كَانَ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ هُوَ دُونَ رُتْبَتِهِمْ أَلْحَقَ‏.‏

وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فَإِنَّهُمْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ السَّابِقِ مَا هُوَ‏؟‏ فَرُوِيَ فِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا قَالاَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ قَالَ‏:‏ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِالْمَعْصِيَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَهَذَا وَجْهٌ مِمَّا قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالاَ‏:‏ ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الآُمَّةِ الْغَنَائِمَ‏,‏ وَإِنَّهُمْ أَخَذُوا الْفِدَاءَ مِنْ الْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ فَتَابَ اللَّهُ، عَلَيْهِمْ وَعَابَهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ أَحَلَّهُ لَهُمْ وَجَعَلَهُ غَنِيمَةً‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ الآيَةَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الآُمَّةَ الْغَنِيمَةَ فَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ‏:‏ سَبَقَ أَنْ أَحَلَّ الْغَنَائِمَ لِهَذِهِ الآُمَّةِ قَالَ‏:‏ وَقَالَ الْحَسَنُ سَبَقَ مِنْ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ لاَ يُعَذِّبَ قَوْمًا إِلاَّ بَعْدَ تَقَدُّمِهِ‏,‏ ‏[‏ إلَيْهِمْ ‏]‏ وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِيهَا‏.‏

وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ قَالَ الْمَغْفِرَةُ لأَهْلِ بَدْرٍ وَهَذِهِ التَّأْوِيلاَتُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ لِمَا تُؤَوَّلُ مَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهَا مِمَّا ذَكَرْنَا‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالاَ‏:‏ ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا أَسَرُوا الآُسَارَى يَعْنِي فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرُ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الآُسَارَى‏؟‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَهْدِيَهُمْ إلَى الإِسْلاَمِ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ نَسِيبٍ لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا وَقَادَتُهَا فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْت فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ الْفِدَاءِ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ، صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ‏.‏

فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ لَيْسَ فِيمَا رَوَيْتُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا شَيْئًا‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ مَشُورَةُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ لاَ غَيْرُ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَانُوا أَخَذُوا شَيْئًا مِنْ الْغَنَائِمِ قَبْلَ إنْزَالِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، هَذِهِ الآيَةَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَعَجَّلَ النَّاسُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ كَانَ النَّبِيُّ يَعْنِي مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إذَا غَنِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمَعُوا غَنَائِمَهُمْ فَتَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ لَمْ تَحِلَّ الْغَنِيمَةُ لأَحَدٍ أَسْوَدِ الرَّأْسِ قَبْلَنَا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ تَنْزِلُ النَّارُ فَتَأْكُلُهَا فَنَزَلَتْ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ قَالَ‏:‏ سَبَقَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ‏.‏

فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي كَانَ مِنْ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ لأَخْذِهِمْ مَا أَخَذُوا مِنْ الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ لاَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا عِنْدَنَا أَشْبَهُ بِالآيَةِ‏;‏ لأَنَّ الَّذِي فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَأَثْبَتَ أَخْذًا مُتَقَدِّمًا فَعَلَيْهِ كَانَ الْوَعِيدُ لاَ عَلَى مَا سِوَاهُ مِمَّا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَيْنَا‏,‏ وَفِي هَذَا مَعْنًى يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ‏,‏ وَالْعَمَلُ بِهِ‏,‏ وَالْحَذَرُ مِنْ اللهِ فِي التَّقَدُّمِ لأَمْرِهِ‏;‏ لأَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَوْ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ‏:‏ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا يُدْرِيك أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ‏,‏ فَإِذَا جَازَ مَعَ هَذِهِ الرُّتْبَةِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ الْوَعِيدُ كَانَ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ هُوَ دُونَ رُتْبَتِهِمْ أَلْحَقَ‏.‏

وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَإِنَّهُمْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ السَّابِقِ مَا هُوَ‏؟‏ فَرُوِيَ فِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا قَالاَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ قَالَ‏:‏ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِالْمَعْصِيَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَهَذَا وَجْهٌ مِمَّا قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالاَ‏:‏ ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الآُمَّةِ الْغَنَائِمَ‏,‏ وَإِنَّهُمْ أَخَذُوا الْفِدَاءَ مِنْ الْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ فَتَابَ اللَّهُ، عَلَيْهِمْ وَعَابَهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ أَحَلَّهُ لَهُمْ وَجَعَلَهُ غَنِيمَةً‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ الآيَةَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الآُمَّةَ الْغَنِيمَةَ فَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ‏:‏ سَبَقَ أَنْ أَحَلَّ الْغَنَائِمَ لِهَذِهِ الآُمَّةِ قَالَ‏:‏ وَقَالَ الْحَسَنُ سَبَقَ مِنْ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ لاَ يُعَذِّبَ قَوْمًا إِلاَّ بَعْدَ تَقَدُّمِهِ‏,‏ ‏[‏ إلَيْهِمْ ‏]‏ وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِيهَا‏.‏

وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللهِ سَبَقَ قَالَ الْمَغْفِرَةُ لأَهْلِ بَدْرٍ وَهَذِهِ التَّأْوِيلاَتُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ لِمَا تُؤَوَّلُ مَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهَا مِمَّا ذَكَرْنَا‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَهْيِهِ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلاَّ لِذِي سُلْطَانٍ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ‏:‏ أَنَا مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ شُفَيٍّ الْحَجْرِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبُوسِ الْخَاتَمِ إِلاَّ لِذِي سُلْطَانٍ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا بِأَسَانِيدَ مِنْهَا هَذَا الإِسْنَادُ وَمِنْهَا سِوَاهُ فَتَأَمَّلْنَاهَا لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِمَا فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَجَدْنَا الْخَوَاتِيمَ لَمْ تَكُنْ مِنْ لِبَاسِ الْعَرَبِ وَلاَ مِمَّا يَسْتَعْمِلُونَهَا‏,‏ وَمِمَّا دَلَّنَا عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَابَكَ إِلاَّ بِخَاتَمٍ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إلَى الرُّومِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا اتَّخَذَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ لِيَخْتِمَ بِهِ الْكِتَابَ الَّذِي يَكْتُبُهُ إلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ مِنْ الْعَجَمِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا إذَا كَانُوا لاَ يَعْرِفُونَ الْكُتُبَ الْوَارِدَةَ مِنْهُمْ وَالْوَارِدَةَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ مَخْتُومَةً وَكَانَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ إِلاَّ لِذِي سُلْطَانٍ لِحَاجَةِ السُّلْطَانِ إلَيْهِ لِيَخْتِمَ بِهِ كُتُبَهُ الَّتِي تَنْفُذُ مِنْهُ إلَى مَنْ يُكَاتِبُهُ مَا قَدْ دَلَّ بِهِ أَنَّ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مُكَاتَبَةِ النَّاسِ مُطْلَقٌ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ‏,‏ وَالنَّاسُ جَمِيعًا مُحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَفِي أَمْثَالِهَا مِنْ الْخَتْمِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَحْفَظُونَ بِهِ أَمَانَاتِهِمْ‏.‏

فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ لِلنَّاسِ جَمِيعًا وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ‏(‏ح‏)‏ وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ فَاِتَّخَذَهُ النَّاسُ فَرَمَى بِهِ وَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ كَانُوا فِيمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ يَفْعَلُونَ مِثْلَهُ اقْتِدَاءً بِهِ‏.‏

وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ اتِّخَاذِ الْخَوَاتِيمِ لِلنَّاسِ جَمِيعًا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ فِي كَلاَمِهِ أَنْ يَقْطَعَهُ إِلاَّ عَلَى مَا يُحْسِنُ قَطْعَهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُحَوِّلُ بِهِ مَعْنَاهُ عَمَّا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمٍ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلاَنِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَشَهَّدَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ قُمْ قَالَ‏:‏ وَكَانَ الْمَعْنَى عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَكُونُ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ رَشَدَ وَذَلِكَ كُفْرٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى‏,‏ أَوْ يَقِفَ عِنْدَ قَوْلِهِ فَقَدْ رَشَدَ ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى وَإِلَّا عَادَ وَجْهُهُ إلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا كَمِثْلِ مَا عَادَ إلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ‏{‏وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ‏}‏ إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَكَمِثْلِ مَا عَادَ إلَيْهِ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ، ‏{‏وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏ إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي الْخُطَبِ وَفِي الْكَلاَمِ الَّذِي يُكَلِّمُ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا كَانَ فِي كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَشَدَّ كَرَاهَةً‏,‏ وَكَانَ الْمَنْعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَلاَمِ بِذَلِكَ أَوْكَدَ‏,‏ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَلاَمِ الَّذِي ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ شِعْرٌ وَنَفَى آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ‏(‏ح‏)‏ وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قُلْت لِعَائِشَةَ رضي الله عنها أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ‏؟‏ فَقَالَتْ نَعَمْ مِنْ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَرُبَّمَا قَالَ‏:‏ هَذَا الْبَيْتَ وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ شَرِيكٌ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قِيلَ لَهَا هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ‏؟‏ قَالَتْ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَيَأْتِيك بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدْ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الأَجْلَحُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ‏؟‏ قَالُوا نَعَمْ قَالَ‏:‏ أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي‏؟‏ قَالَتْ لاَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ فَهَلَّا بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ وَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي قَيْسٍ قَالَ‏:‏ لِلْبَرَاءِ وَهُوَ يَسْمَعُ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْبَرَاءُ لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفِرَّ‏,‏ إنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَى الْقَوْمِ انْهَزَمُوا وَإِنَّ الْقَوْمَ أَقْبَلُوا عَلَى الْقِتَالِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ أَخَذَ بِلِجَامِهَا وَهُوَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ‏:‏ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ يَا أَبَا عُمَارَةَ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ وَاَللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّا لَقِينَا قَوْمًا رُمَاةً مَا يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ جَمْعَ هَوَازِنَ فَرَشَقُونَا رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ فَاسْتَنْصَرَ وَقَالَ أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ قَالَ‏:‏ ثُمَّ صَفَّهُمْ أَوْ قَالَ‏:‏ صَفَّنَا‏.‏

وَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَأَجَابُوهُ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الأَقْدَامَ إنْ لاَقَيْنَا إنَّ الآُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعْرَ صَدْرِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الأَقْدَامَ إنْ لاَقَيْنَا إنَّ الآُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا قَالَ‏:‏ يَمُدُّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَا صَوْتَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ‏,‏ عَنْ الْبَرَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إذَا أَرَادُوا فَتْنَةً أَبَيْنَا قَالَهَا مِرَارًا‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ‏,‏ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ‏,‏ وَهُوَ يَقُولُ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏,‏ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ‏:‏ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ‏,‏ وَغَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ‏:‏ يَقُولُهَا مِرَارًا‏.‏

وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ‏:‏ أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلٌ وَكَادَ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ يُسْلِمُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ سَمِعَ جُنْدُبًا يَقُولُ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ فَنُكِبَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ هَلْ أَنْتِ إِلاَّ أُصْبُعٌ دَمِيَتْ وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ‏.‏

وَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْشِي فَأَصَابَ أُصْبُعَهُ حَجَرٌ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَأَنْكَرَ مُنْكِرٌ هَذِهِ الآثَارَ كُلَّهَا وَدَفَعَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ فِيهَا‏,‏ وَقَالَ فِي كِتَابِ اللهِ مَا قَدْ دَفَعَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِ اللهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي تَلاَهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لاَ يَدْفَعُ شَيْئًا مِمَّا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذِهِ الآثَارِ لأَنَّ الَّذِي تَلاَهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا هُوَ إعْلاَمُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، خَلْقَهُ أَنَّهُ مَا عَلَّمَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم الشِّعْرَ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمْ لَهُ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَأَعْلَمَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، خَلْقَهُ أَنَّهُ بِخِلاَفِ مَا قَالُوا ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إذَا كَانَتْ الْمَنْزِلَةُ الَّتِي أَنْزَلَهُ إيَّاهَا مَعَ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَتَاهُ إيَّاهَا الْمَنْزِلَةَ الَّتِي لَمْ يُنْزِلْهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ سِوَاهُ وَكَانَ مَنْ عَلَّمَهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الشِّعْرَ مِنْ خَلْقِهِ قَدْ عَرَفَهُ النَّاسُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ الَّذِي يُشْعِرُ وَيَقْصِدُ فَيَمْدَحُ بِذَلِكَ قَوْمًا وَيَهْجُو بِهِ آخَرِينَ وَيَصِفُ بِهِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ وَتَدْعُوهُ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلاَفِ ذَلِكَ ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَفْسِهِ مَا أَضَافُوهُ إلَيْهِ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْحَفَرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إنَّ فُلاَنًا بْنَ فُلاَنٍ هَجَانِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَأَهْجُوهُ فَالْعَنْهُ عَدَدَ مَا هَجَانِي أَوْ مَكَانَ مَا هَجَانِي قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَبَانَ اللَّهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ الَّذِي كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالُوا إنَّهُ شَاعِرٌ يَتَكَلَّمُ بِالشِّعْرِ كَمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُهُ‏,‏ وَإِنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى الشِّعْرِ فَلَمْ يَلْتَئِمْ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ‏:‏ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ الْعَدَوِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي أَخِي أُنَيْسٌ إنِّي مُنْطَلِقٌ إلَى مَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ فَانْطَلَقَ فَرَاثَ عَلَيَّ فَقُلْتُ مَا حَبَسَكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَقِيتُ بِمَكَّةَ رَجُلاً عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَهُ قُلْتُ فَمَا يَقُولُ فِيهِ النَّاسُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُونَ شَاعِرٌ وَيَقُولُونَ كَاهِنٌ وَلَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ قَالَ‏:‏ أَبُو ذَرٍّ يَا ابْنَ أَخِي وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ فَوَاَللَّهِ إنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ وَمِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي مَوْضِعٍ‏,‏ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَكَانَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا قَدْ حُكِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الآثَارِ كَلاَمُهُ بِهِ هُوَ مِنْ الْحِكَمِ الَّتِي فِي الشِّعْرِ فَتَكَلَّمَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ‏,‏ وَاَللَّهُ يُجْرِي الْحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ لاَ أَنَّهُ شِعْرُ أَرَادَهُ مِمَّا لاَ حِكْمَةَ فِيهِ‏.‏

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ مِنْهُ إِلاَّ بِمَا فِيهِ حَاجَتُهُ مِنْهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لاَ بِمَا سِوَاهُ وَقَدْ يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِالْكَلاَمِ الْمَوْزُونِ مِمَّا لَوْ شَاءَ أَوْ غَيْرُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ شِعْرًا فَعَلَ وَلَيْسَ بِشِعْرٍ وَلاَ قَائِلُهُ شَاعِرٌ وَنَحْنُ نَجِدُ فِي طِبَاعِ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ بِعَمَلِ الأَلْسُنِ كَالْفِقْهِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَيَحْكِي مِنْهُ شَيْئًا كَمَا يَحْكِيهِ الْفُقَهَاءُ فَلاَ يَكُونُ بِحِكَايَتِهِ إيَّاهُ فَقِيهًا فَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَحْكِي بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ أَوْ مَا دُونَ الْبَيْتِ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ لاَ يَكُونُ بِهِ شَاعِرًا‏.‏

وَلَقَدْ زَعَمَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَمَوْضِعُهُ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ مَوْضِعُهُ لاَ سِيَّمَا مِنْ الشِّعْرِ وَمِنْ وَزْنِهِ وَمِنْ تَقْطِيعِهِ وَمِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِهِ أَنَّ الأَرَاجِيزَ لَيْسَتْ بِشِعْرٍ‏,‏ وَأَنَّهَا كَلاَمٌ مِنْ الْكَلاَمِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ النَّاسُ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّعُ وَلَيْسَ بِشِعْرٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ وَضَحَ بِهِ جَهْلُ هَذَا الْجَاهِلِ وَنَفْيُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ مُنْتَفِيًا عَنْهُ‏;‏ لأَنَّهُ لَيْسَ يُخَالِفُ لِمَا فِي الآيَةِ الَّتِي تَلاَهَا وَلأَنَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي الآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا إنَّمَا كَانَ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي فِيهَا أَوْ لِشَيْءٍ عَلِقَ بِلِسَانِهِ مِنْ الشِّعْرِ فَنَطَقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَاعِرًا‏,‏ وَلاَ دَاخِلاً فِي الْمَعْنَى الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيمِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، الْخَمْرَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ تَخْلِيلِهِ إيَّاهَا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُطْلِقْهُ لَهُ

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي حِجْرِهِ يَتِيمٌ وَكَانَ عِنْدَهُ خَمْرٌ حِينَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ نَصْنَعُهَا خَلًّا‏؟‏ فَقَالَ لاَ فَصَبَّهُ فِي الْوَادِي حَتَّى سَالَ‏.‏

وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ‏:‏ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدِي خَمْرٌ فَقَالَ‏:‏ صُبَّهَا قَالَ‏:‏ أَأَجْعَلُهَا خَلًّا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ‏:‏ أَهْرِيقُوهَا قَالَ أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلًّا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي السُّدِّيَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لأَيْتَامٍ فَابْتَاعَ بِهِ خَمْرًا فَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ أَجْعَلُهَا خَلًّا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ خَتَنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ كَانَ عِنْدِي مَالٌ لأَيْتَامٍ فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُهْرِيقَهَا‏.‏

وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏,‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ الْعَصِيرُ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيُرِيدُ أَنْ يُعَالِجَهَا حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْهُ بِهَذِهِ الآثَارِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا رَخَّصَ فِي دُرْدِيِّ الْخَمْرِ أَنْ يُعَالَجَ حَتَّى يَصِيرَ خَلًّا كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُلْقِي الْعَصِيرَ عَلَى الدُّرْدِيِّ لِيَصِيرَ خَلًّا قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ إنَّمَا يُرِيدُهُ لِلْخَلِّ‏.‏

وَكَانَ فِي إبَاحَةِ مَالِكٍ لِعِلاَجِ الدُّرْدِيِّ‏,‏ وَالدُّرْدِيُّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مِنْ الْخَمْرِ حَتَّى تَعُودَ خَلًّا كَذَلِكَ وَكَانَ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ عِلاَجِ الْخَمْرِ حَتَّى تَعُودَ خَلًّا أَنَّهُ يُكْرَهُ مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ تَاجِرًا اشْتَرَى خَمْرًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي دِجْلَةَ فَقَالُوا لَهُ‏:‏ أَلاَ تَأْمُرُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ خَلًّا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ إنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ‏;‏ لأَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ عَصِيرٍ يَمْلِكُهُ فَعَادَ خَمْرًا‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ عَصِيرٍ اشْتَرَاهُ شِرَاءً حَرَامًا فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِذَلِكَ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَخْلِيلِهَا‏;‏ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لأَصْلِهَا‏.‏

وَرَوَى أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ هَذَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ لاَ تَأْكُلُ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ بَدَأَ فَسَادَهَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أُتِيَ بِالطِّلاَءِ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يُطْبَخُ‏,‏ وَهُوَ كَعَقِيدِ الرُّبِّ فَقَالَ إنَّ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ وَلاَ يُشْرَبُ خَلٌّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَسَادَهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَطِيبُ الْخَلُّ وَلاَ بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ يَبْتَاعُ خَلًّا وَجَدَهُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا فَسَادَهَا بَعْدَمَا عَادَتْ خَمْرًا قَالَ فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مُخَالِفِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلاَ يُشْرَبُ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَسَادَهَا لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ الزُّهْرِيِّ وَصَلَهُ بِكَلاَمِ عُمَرَ لَمَّا أُتِيَ بِالطِّلاَءِ فَقَالَ إنَّ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ‏:‏ لَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ افْصِلْ كَلاَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَلاَمِك لَمَّا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَخْلِطُهُ بِكَلاَمِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا رِوَايَةُ غَيْرِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ وَهُوَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لاَ خَيْرَ فِي خَلٍّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، يُفْسِدُهَا عِنْدَ ذَلِكَ يَطِيبُ الْخَلُّ وَلاَ بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَنْ يَبْتَاعَ خَلًّا وَجَدَهُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ خَمْرًا فَتَعَمَّدُوا فَسَادَهَا بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ خَمْرًا فَتَعَمَّدُوا فَسَادَهَا‏,‏ فَتَكُونُ خَلًّا فَلاَ خَيْرَ فِي أَكْلِ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَا أُضِيفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ يَعْنِي إلَى عُمَرَ رضي الله عنه إنَّمَا هُوَ قَالَهُ الَّذِي قَالَهُ فِي الشَّرَابِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ خَاصَّةً وَأَنَّ مَا فِيهِ سِوَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ شِهَابٍ لاَ مِنْ كَلاَمِ مَنْ سِوَاهُ فَقَالَ الَّذِينَ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ لِلَّذِينَ أَبَاحُوهُ وَمِمَّنْ أَبَاحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ هَلْ تَقَدَّمَكُمْ فِي قَوْلِكُمْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَكُونُ إمَامًا فِيمَا قُلْتُمُوهُ مِنْهُ‏؟‏‏.‏

فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَأْكُلُ الْمُرِّيَّ يَجْعَلُ فِيهِ الْخَمْرَ وَيَقُولُ ذَبَحَتْهُ الشَّمْسُ وَالْمِلْحُ ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ فَمَا مَعْنَى أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِإِهْرَاقِ خَمْرِ الأَيْتَامِ وَالْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ خَلًّا‏,‏ وَالأَيْتَامُ إذَا لَمْ يَجُزْ فِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ كَانَ فِي غَيْرِهِمْ أَحْرَى أَنْ لاَ يَجُوزَ فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ لِلأَيْتَامِ مَالاً بَعْدَ مَا حَرَّمَهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَتْ أَنْ تَكُونَ مَالاً لَهُمْ فَكَانُوا‏,‏ وَإِنْ كَانُوا أَيْتَامًا فِي ذَلِكَ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْبَالِغِينَ‏,‏ وَقَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ الْخَوْلاَنِيِّ أَخْبَرَهُ قَالَ‏:‏ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ فَقَالَ‏:‏ سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ الْخَمْرِ إنِّي كُنْت عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَبَيْنَا هُوَ مُحْتَبٍ حَلَّ حَبْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ شَيْءٌ فَلْيُؤْذِنِّي بِهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ عِنْدِي رَاوِيَةٌ وَيَقُولُ الآخَرُ عِنْدِي رَاوِيَةٌ وَيَقُولُ الآخَرُ عِنْدِي زِقٌّ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ‏.‏

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اجْمَعُوا بِنَقِيعِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ آذِنُونِي فَفَعَلُوا ثُمَّ آذَنُوهُ فَقَامَ وَقُمْت مَعَهُ فَمَشَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَيَّ فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرٍ فَأَخَّرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ أَبَا بَكْرٍ مَكَانِي ثُمَّ لَحِقَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَّرَنِي وَجَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ فَمَشَى بَيْنَهُمَا حَتَّى إذَا وَقَفَ عَلَى الْخَمْرِ قَالَ‏:‏ لِلنَّاسِ أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ‏؟‏ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ الْخَمْرُ فَقَالَ صَدَقْتُمْ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا ثُمَّ دَعَا بِسِكِّينٍ فَقَالَ اشْحِذُوهَا فَفَعَلُوا ثُمَّ أَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرِقُ بِهَا الزِّقَاقَ فَقَالَ النَّاسُ‏:‏ إنَّ فِي هَذِهِ الزِّقَاقِ مَنْفَعَةً فَقَالَ‏:‏ أَجَلْ وَلَكِنِّي إنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا فِيهَا مِنْ سَخَطِهِ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أَكْفِيك فَقَالَ لاَ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ فِي قِصَّةِ الْحَدِيثِ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ أَبَا طُعْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَزْدِيُّ الْجِيزِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ السَّمْحِ اللَّخْمِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ بُكَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ كُنْت مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَأَمَرَ بِآنِيَةِ الْخَمْرِ فَجَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ‏.‏

ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَا وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي الْيُسْرَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَوَّلَنِي عَنْ يَسَارِهِ وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي الْيُمْنَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى‏,‏ وَأَخَذَ عُمَرَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَدَهُ الْيُسْرَى‏,‏ فَسِرْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَيْنَنَا فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فَسَرَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدِي وَحَوَّلَ عُمَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَدَهُ الْيُسْرَى فَسِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الآنِيَةَ الَّتِي جُمِعَتْ وَفِيهَا الْخَمْرُ وَالزِّقَاقُ فَقَالَ ائْتُونِي بِشَفْرَةٍ أَوْ مُدْيَةٍ فَحَسَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ نَكْفِيك فَقَالَ شُقُّوهَا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَضَبِ اللهِ الْخَمْرُ حَرَامٌ لَعَنَ اللَّهُ شَارِبَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَالْقَيِّمَ عَلَيْهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا‏.‏

فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَقُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزِّقَاقَ وَلَيْسَتْ مِنْ الْخَمْرِ فِي شَيْءٍ غَضَبًا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي تَأْخِيرِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ تَحْرِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهَا فَعَاقَبَهُمْ بِشَقِّ زِقَاقِهِمْ‏;‏ لأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَارِعُوا إلَى إتْلاَفِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لاَ يَصِلَ أَحَدٌ إلَى الْمَنْفَعَةِ بِهِ كَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، إيَّاهُمَا عَلَيْهِمْ وَحِينَ لَمْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ كَمَا كَانَتْ الْمَشْيَخَةُ مِنْ الأَنْصَارِ كَأُبَيٍّ وَأَبِي طَلْحَةَ وَكَسُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ أَمَرُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمْ يَشْرَبُونَ مَا كَانُوا يَشْرَبُونَهُ يَوْمَئِذٍ وَأَنَسٌ سَاقِيهِمْ إذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ أَلاَ هَلْ شَعَرْتُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ‏؟‏ فَقَالُوا اكْفَأْ مَا فِي إنَائِك يَا أَنَسُ قَالَ أَنَسٌ‏:‏ فَمَا عَادُوا إلَيْهَا حَتَّى لَقُوا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، رضوان الله عليهم‏.‏

وَكَانَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَهُمْ فَعُوقِبُوا بِتَخَلُّفِهِمْ عَنْ ذَلِكَ بِشَقِّ زِقَاقِهِمْ وَإِتْلاَفِهَا عَلَيْهِمْ وَمَنْعِهِمْ مِنْ الاِنْتِفَاعِ بِهَا‏,‏ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ عَلَى الذُّنُوبِ تَكُونُ فِي الأَمْوَالِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ،‏.‏

وَكَمَا قَالَ فِي سَارِقِ الْحَرِيسَةِ مِنْ الْجَبَلِ‏:‏ عَلَيْهِمْ مِثْلُ غُرْمِ مِثْلَيْهَا وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ‏.‏

وَكَمَا قَالَ‏:‏ بَعْدَ تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَصِيدُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَخُذُوا سَلَبَهُ وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَانَ بَاقِيًا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِيهِ كَمَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو فَيَنْظُرُ إلَى الأَسْوَاقِ فَإِذَا رَأَى اللَّبَنَ أَمَرَ بِالأَسْقِيَةِ فَفُتِحَتْ فَإِنْ وَجَدَ مِنْهَا شَيْئًا مَغْشُوشًا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مَاءً غُشَّ بِهِ أَهْرَاقَهَا قَالَ‏:‏ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّبَنَ‏,‏ وَإِنْ غُشَّ فَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُهُ‏,‏ وَهُوَ كَذَلِكَ‏,‏ وَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُهْرِقْهُ إِلاَّ خَوْفًا مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَغُشُّوا بِهِ النَّاسَ فَأَهْرَاقَهُ لِذَلِكَ‏,‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَنْعُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْخَمْرَ خَلًّا لِمِثْلِ ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فَيَأْتِيَ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَمَرَهُ بِإِهْرَاقِهَا لِذَلِكَ وَقَدْ شَدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الزِّقَاقِ الَّتِي خَرَقَهَا‏,‏ وَقَدْ رَأَى زِقَاقًا غَيْرَهَا‏,‏ وَفِيهَا خَمْرٌ فَلَمْ يَخْرِقْهَا إذْ كَانَ أَهْلُهَا لَمْ يَفْعَلُوا فِيهَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلَهُ أَهْلُ تِلْكَ فِيهَا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ‏؟‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إنَّ رَجُلاً أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ حَرَّمَهَا‏؟‏ فَقَالَ لاَ فَسَارَّ إنْسَانًا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَ سَارَرْتَهُ‏؟‏ قَالَ أَمَرْتُهُ أَوْ فَقَالَ‏:‏ أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا فَقَالَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ شُرْبَهَا‏,‏ حَرَّمَ بَيْعَهَا قَالَ‏:‏ فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ أَفَلاَ تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَخْرِقْ الرَّاوِيَةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْخَمْرُ كَمَا خَرَقَ الزِّقَاقَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْخَمْرُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ التَّخْرِيقَ إنَّمَا كَانَ لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ غَضَبًا عَلَى مَنْ غَيَّبَهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا فَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَنْ غَيَّبَهَا مِمَّنْ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَخْلِيلِهَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُ لاَ‏;‏ لأَنَّهَا لَوْ خُلِّلَتْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏‏:‏ فَمَا الَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الاِخْتِلاَفِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ الْقِيَاسُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ طَلْقًا‏;‏ لأَنَّا رَأَيْنَا الْعَصِيرَ الْحَلاَلَ إذَا صَارَ خَمْرًا مِنْ نَفْسِهِ‏,‏ أَوْ صَارَ خَمْرًا بِعِلاَجٍ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَنَّهَا حَرَامٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا‏,‏ وَلَمْ تَفْتَرِقْ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ ذَاتِهَا‏,‏ وَلاَ مِمَّا كَانَ فَعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ذَلِكَ بِهَا وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ خَمْرًا ثُمَّ انْقَلَبَتْ خَلًّا أَنْ يَسْتَوِيَ ذَلِكَ فِيهَا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ انْقِلاَبِهَا بِذَاتِهَا وَانْقِلاَبِهَا بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ بِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ‏,‏ وَيَكُونُ حُدُوثُ صِفَةِ الْخَلِّ فِيهَا يُوجِبُ لَهَا حُكْمَ الْخَلِّ فَيَعُودُ إلَى حِلِّهِ وَيَزُولُ عَنْ حُكْمِ الْخَمْرِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي حُرْمَتِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا دِبَاغُ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَسْتَوِي عِلاَجُهَا وَهِيَ حَرَامٌ حَتَّى تَعُودَ حَلاَلاً كَمَا تَعُودُ حَلاَلاً لَوْ تُرِكَتْ حَتَّى تَجِفَّ فِي الشَّمْسِ وَتَسْفِيَ عَلَيْهَا الرِّيَاحُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَهَابِ وَضَرِ الْمَيْتَةِ عَنْهَا‏,‏ وَإِعَادَةً لَهَا إلَى حُكْمِ الآُهُبِ الَّتِي مِنْ الْمُذَكَّى مِنْ أَجْنَاسِهَا‏,‏ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏